في البدء .. لنا كلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

الحمد لله الذي خصَّ سيدنا محمدا بأكمل المحاسن، وأفاض عليه من عين العناية ما طهر به الظاهر والباطن، وأمدَّه بجليل الخصائص، وطهرنا به من جملة العيوب والنقائص، وألبسه خلع الجمال والجلال ، وأجلسه على ذروة الشرف والكمال، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، واصل من انقطع إليه بجميل آلائه، والهادي لمن اجتهد فيه إلى رحاب اصطفائه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله آتاه جوامع الكلم وخواتمه، وملكه خوافي الفضل وقوادمه، ونصب منصبه على بقاع الشرف، ورفع رتبته إلى أعلى الغرف، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله صلاة تستغرق الحد، وتبلغ منا منتهى الجهد، ويضيع معها العد .

وبعد؛

فإن معرفة سير المصطفى صلى الله وآله وسلم وشمائله وما خصه الله تعالى به من خصائص عديدة، ومناقب مديدة، وكمالات أثيرة، ومواهب كثيرة، من ألزم عقد الإيمان، ومن أجل القربات إلى رب البريات، وأعود العوائد بموصول الصلات السنيات.

والحاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استكناه السيرة النبوية ، واستجلاء الكمالات والخصائص المحمدية ، وعائد ذلك وفائدته أمور نجملها فيما يلي:

أولا : إن معرفة خصائصه السنية وكمالاته البهية وسيلة إلى امتلاء القلب بتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أيضا وسيلة إلى تعظيم شريعته ، الباعث على العمل بها واتباعها والوقوف عند حدودها ، وإيثارها على أهواء النفس وشهواتها ، الشاغلة لها عن الانقطاع إلى ربها ، الذي لأجله خلق الإنسان { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات:56] ، وذلك – أي الانقطاع إلى الله – وسيلة إلى السعادة الأبدية والسيادة السرمدية ، والفوز برضوان الله تعالى ، الذي هو غاية الراغبين ، ونهاية أمل الآملين .

ثانيا : أن معرفة خصائصه الشريفة تتضمن معرفة حسنه وإحسانه صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك وسيلة إلى محبته صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن أسباب المحبة وإن تكاثرت فمدارها على أمرين : الحسن والإحسان ، فإن النفس مجبولة على حب الحَسَنِ والمُحْسِنِ إليها ، ولا حسن يماثل حسنه صلى الله عليه وآله وسلم إذ خصه الله بأن آتاه الحسن كله ، ولا إحسان يعادل إحسانه صلى الله عليه وآله وسلم إلينا ، إذ " لم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت ، نلنا بها حظا في دين أو دنيا ، أو دفع بها عنا مكروه فيهما ، إلا و(سيدنا) محمد صلى الله عليه وسلم سببها ، القائد إلى خيرها ، والهادي إلى رشدها" .

ولله در سيدي محمد البكري رحمه الله إذ يقول :

ما أرسل الرحمان أو يرسل *** ‍ من نعمة تصعد أو تنزل
في ملك الله أو ملكـوته *** ‍من كل مـا يختص أو يشمل
إلا وطه المصطفى عبده *** ‍نبيه مختاره المرسل
واسطة لها وأصل لها *** ‍يعرف هذا كل من يعقل

ثالثا : أن معرفة خصائصه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم خدمة لجنابه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، وتعلق به وتعظيم لقدره وتقرب وتودد وانتساب واستعطاف وتعرض لنفحات فضل الممدوح واستمطار لسحائب إحسانه واستنزال لغزير بره وامتنانه ومد ليد الفاقة والاضطرار وبسط لبساط الإلحاح والإكثار وفتح لأبواب خزائن ما يأتي من قبله ، فإن الكرام إذا مدحوا أجزلوا المواهب والعطايا ، وقد أعطى العباس بن مرداس لما مدحه مائة من الإبل ، وخلع حلته على كعب بن زهير لما مدحه بقصيدته المشهورة التي منها قوله :

إن الرسول لنورٌ يُستضاء به مُهنَّدٌ من سيوف الله مسلول

وفي ذلك أيضا تعرض لنفحات الرحمة الإلهية إذا كانت رحمته تعالى تتنزل عند ذكر الصالحين ، فما باك بسيدهم وسندهم وممدهم صلى الله عليه وآله وسلم .

وبالجملة فأدنى انتساب إليه صلى الله عليه وآله وسلم يحصل غاية النفع والشرف ، إذ لم يخلق الله تعالى خلقا أكرم عليه من مولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يخلق جاها أعظم من جاهه صلى الله عليه وآله وسلم ، فيحصل لخادمه من الجاه بحسب ما له صلى الله عليه وآله وسلم من العز والشرف. قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء/107] .

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله : " ما في الوجود من جعل الله تعالى له الحل والربط دنيا وأخرى مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن خدمه على الصدق والمحبة والوفاء دانت له رقاب الجبابرة وأكرمه جميع المؤمنين ".

ولله در الشيخ العلامة الإمام أبي عبد الله سيدي محمد ابن زكري رحمه الله تعالى حيث يقول في همزيته :

وإذا ما الجناب كان عظيما ‍ *** مد منه لخادميه لواء
وإذا عظمت سيادة متبوع *** ‍أجل أتباعه الكبراء

رابعا: إن في ذكر خصائصه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم وسماعها تنعما وتلذذا بحبيب القلوب وقرة العيون صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ضرب من الوصال به صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجه من وجوه القرب منه والاجتماع به صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى إذا فات النظر إليه بالبصر ، لم يفت التمتع بأوصافه وكمالاته بلذيذ الخبر .

وللغوث مولانا سيدي أبي مدين نفعنا الله به :

ونحيا بذكركم إذا لم نراكم *** ‍ألا إن تذكار الأحبة ينعشنا
فلولا معانيكم تراها قلوبنا ‍*** إذا نحن أيقاظ وفي النوم إن غبنا
لمتنا أسى من بعدكم وصبابة ***‍ ولكن في المعنى معانيكم معنا
يحركنا ذكر الأحاديث عنكم *** ‍ولولا هواكم في الحشا ما تحركنا

خامسا: إن ذكر خصائصه ومحاسنه صلى الله عليه وآله وسلم يحرك ما في القلوب من الحب الساكن والشوق الكامن ، ويحصل من انشراح الصدر وتفريج القلب ما يناسب إجلاء تلك المحاسن .

ولله در القائل :

وتأخذ قلبي نشوة عند ذكركم *** ‍ كما ارتاح صب خامرته خمور
أصوم عن الأغيار قطعا وذكركم ‍*** سحور لصومي في الهوى وفطور
ومدح رسول الله أصل سعادتي *** ‍أفوز به يوم السماء تمور
نبي تقي أريحي مهذب *** ‍بشير لكل العالمين نذير
إذا ذكر ارتاحت قلوب ***لذكره ‍ وطابت نفوس وانشرحت صدور

 

هذا ولقد عنيت هذه الأمة بنبيها أعظم العناية ، ودونك ما دبجته يراعتهم من مصنفات وتأليفات في مختلف أنحاء فنون العلم المتعلقة بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .

فمنهم من أرخ لحياته وسيرته ، كابن إسحاق وابن هشام والحافظ الدمياطي وعبد الغني المقدسي والبرهان ابن المرحل وابن كثير ومغلطاي وابن جماعة الكتاني وابن عبد البر والصالحي الشامي وغيرهم .

ومنهم من ألف في دلائل وأعلام نبوته كالبيهقي وأبي نعيم الأصبهاني وأبي الشيخ الأصبهاني وأبي القاسم الطبراني وأبي جعفر الفريابي وأبي الحسن الماوردي وآخرين .

ومنهم من ألف في شمائله الشريفة كالترمذي وأبي الشيخ والعامري والمناوي والسيوطي والهيتمي والكتاني وجماعة .

ومنهم من ألف في بيان فضائل الصلاة عليه وأسرارها وفوائدها ، كالفيروزآبادي وابن القيم والسخاوي والقسطلاني والهيتمي والنبهاني وجلة.

ومنهم من ألف في خصائصه، كابن عبد السلام وابن الملقن والسبكي وابن سبع وابن دحية الكلبي والقسطلاني والسيوطي وغيرهم.

ومنهم من ألف في معجزاته ، وآخرون في صحابته ، وآخرون في ذريته وأهل بيته ، وآخرون في حقوقه ، وآخرون في مدينته ، وغير ذلك من المناحي المتعلقة بشخصه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .

وهذه المدونة هي محاولة لجمع ما تيسر من الكتب المتعلقة بشخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتني تناولت سيرته العطرة، وأخلاقه الشريفة، وشمائله المنيفة، وخصائصه السنية، وأعلام ودلائل نبوته الزكية، وما انتسب إلى هذا الباب. محاولة في التعريف بقطرة من بعض بحار فضائله صلى الله عليه وآله وسلم .

والله أسأل البركة في القصد ، والإخلاص في النية ، والتوفيق في العمل، والسداد في الفعل ، إنه ولي ذلك والموفق إليه ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting